صوت الحجاب الإجباري يعلو من جديد في إيران وسط تصاعد مقاومة النساء

صوت الحجاب الإجباري يعلو من جديد في إيران وسط تصاعد مقاومة النساء
إحدى عناصر الشرطة النسائية في إيران وقضية الالتزام بالحجاب

في وقتٍ تواصل فيه النساء والفتيات الإيرانيات مقاومتهن لسياسات فرض الحجاب الإجباري، عاد رجال الدين والسياسيون المحافظون في طهران ليطلقوا تصريحات جديدة تطالب بتشديد الالتزام بالحجاب، في مشهد يعكس احتدام الصراع بين السلطة والمجتمع حول أحد أكثر الملفات حساسية في إيران الحديثة.

وخلال اجتماع مشترك لأعضاء مجلس خبراء القيادة، وجّه رجال الدين البارزون انتقادات حادة لما وصفوه بتراجع مظاهر الالتزام بالحجاب في المدن الإيرانية، محمّلين الحكومة مسؤولية ما اعتبروه "تراخيًا ثقافيًا"، وفق "إيران إنترناشيونال".

وقال عضو المجلس هاشم حسيني بوشهري إن البلاد تشهد "إهمالًا وعدم جدية من جانب المسؤولين في القضايا الاقتصادية والثقافية، وعلى رأسها قضية الحجاب"، معتبرًا أن ذلك "يثير استياء العلماء والمراجع الدينية وعامة الناس".

تحذيرات من "انهيار أخلاقي"

من جانبه، شبّه النائب عن مدينة قم، مجتبى ذو النوري، تفاقم ظاهرة عدم ارتداء الحجاب بما سماه "انهيار السد"، محذرًا من عواقب عدم السيطرة على ما وصفه بـ"الانفلات الثقافي".

وقال النائب الإيراني إن البرلمان بذل جهودًا في هذا الملف، لكنه انتقد رئاسة المجلس "لعدم القيام بدورها كما يجب".

وفي مختلف المدن الإيرانية، أعاد أئمة الجمعة صياغة الخطاب الرسمي نفسه الذي يدعو إلى الالتزام الصارم بالحجاب، مؤكدين أنه "واجب شرعي لا يمكن التنازل عنه".

وفي العاصمة طهران، دعا إمام الجمعة المؤقت محمد جواد حاج علي أكبري إلى "التمسك بالحجاب والعفاف في الفضاء الاجتماعي"، فيما اعتبر إمام جمعة مدينة شهر كرد مصطفى هاشمي أن الحجاب ليس حقًا شخصيًا بل "واجب ديني يحفظ استقرار المجتمع"، محذرًا من أن التخلي عنه "يهدد السكينة النفسية للأسرة الإيرانية".

الشوارع تقول شيئًا آخر

لكنّ الواقع في المدن الإيرانية يسير باتجاه مغاير. ففي الشوارع والمقاهي والجامعات، بات مشهد النساء السافرات أمرًا اعتياديًا رغم التهديدات الرسمية، وهو ما يعكس تغيرًا اجتماعيًا واضحًا في علاقة الإيرانيين بقوانين اللباس العام.

ويقول مراقبون إن التراجع في تطبيق الحجاب الإجباري يعكس "تعبًا عامًا" لدى المجتمع من القيود المفروضة منذ أكثر من أربعة عقود، لا سيما بعد الاحتجاجات الواسعة التي تفجرت عام 2022 إثر وفاة الشابة مهسا أميني أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق.

ورغم أن السلطات الإيرانية علّقت مؤقتًا تنفيذ القانون الصارم الجديد المتعلق بفرض الحجاب، خوفًا من إشعال موجة احتجاجات جديدة، فإن الجدل لم يتوقف.

وقال عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام محمد رضا باهنر في مناظرة إعلامية إن "عصر إدارة البلاد بالقوانين القسرية قد ولّى"، مشيرًا إلى أن المجلس الأعلى للأمن القومي أوقف العمل باللائحة الخاصة بالحجاب الإجباري، بما يعني عدم تطبيق الغرامات أو العقوبات القانونية المرتبطة به.

تضييق ميداني رغم التعليق

ورغم التعليق الرسمي، ما زالت السلطات تمارس إجراءات ميدانية ضد المخالفين، فخلال الأسابيع الماضية، أغلقت الشرطة عشرات المحال والمقاهي بدعوى عدم التزام العاملات أو الزائرات بالحجاب.

وأكدت قوات الشرطة أن جميع المنشآت التجارية والأماكن العامة "ملزمة بتطبيق القوانين السارية"، وأن المخالفين سيواجهون الإغلاق أو سحب التراخيص.

تُعد قضية الحجاب الإجباري أحد أكثر ملفات الانقسام عمقًا في المجتمع الإيراني منذ الثورة الإسلامية عام 1979، فقد فُرض الحجاب كرمز للهوية الإسلامية للجمهورية، لكن الأجيال الشابة باتت تنظر إليه بوصفه قيدًا على الحرية الشخصية.

منذ عام 2022، وبعد وفاة مهسا أميني، أصبحت قضية الحجاب مركزًا لحراك اجتماعي ونسوي واسع في إيران، شاركت فيه نساء من مختلف الطبقات والفئات، متحديات القوانين التي تفرض اللباس الإلزامي.

ورغم محاولات النظام تخفيف حدة المواجهة عبر التعليق المؤقت لبعض القوانين، فإن الإصرار الرسمي على الإبقاء على "الحجاب الإجباري" يجعل القضية قابلة للاشتعال في أي لحظة، بين سلطة ترى فيه "ركيزة دينية"، ونساء يرين فيه "رمزًا للوصاية والسيطرة".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية